الاقسام العامة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 البحث عن بداية أخرى

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Mr.Egyptian
......................
......................
Mr.Egyptian


عدد الرسائل : 102
العمر : 40
البلد : ام الدنيا
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 06/05/2008

البحث عن بداية أخرى Empty
مُساهمةموضوع: البحث عن بداية أخرى   البحث عن بداية أخرى I_icon_minitimeالإثنين مايو 19, 2008 10:11 pm

البحث عن بداية أخرى
للكاتبة والقاصة المغربية / أمينة شرادي


جاءت ليلى كعادتها لزيارة صديقتها سعاد، ببيتها المتواجد وسط المدينة. دقات خفيفة على الباب. انتظرت بعض الشيء وكررت المحاولة. لا جوابّ! استغربت لهذا الغياب غير المعهود عند سعاد خاصة عندما يكون الوقت مبكراً، لأن سعاد من عشاق طلوع الفجر، ولا يقعدها عنه إلا المرض. تجولت ليلى بعينيها حول البيت, لا حياة به..

- "ربما سافرت لأمر هام"
خاطبت نفسها مع استغراب شديد. همت بالانصراف مع أسئلتها الداخلية، حتى سمعت فجأة حركة دوران المفتاح. فتح الباب, تدلى من بين فتحته رأس سعاد مسندة باقي جسدها على الحائط. انتزعت من فمها كلمات واهنة:
- ليلى، تعالي.

وجل قلب ليلى. أهالها حال صديقتها. ساعدتها على المشي حتى سريرها. جلست بقربها تحاول أن تفهم ما يجري. كانت سعاد تعيش حالة صعبة، شعرها تحول إلى غابة بدائية، وجهها استوطنه التعب والسهر حتى فقد لونه الآدمي. حتى لباسها الخارجي بدت عليه آثار النكسة التي أصابتها.

بدت ليلى حائرة في أمر صديقتها، أخذت تتحرك بطريقة عشوائية، تحدث بعض الفوضى الخفيفة داخل الغرفة. وتتكلم أي كلام. فتحت النافذة، تسلل نور وهاج امتلك الغرفة واحتوى جسد سعاد الملقى كأوراق الخريف الصفراء، جانباً، مع نسيم عليل لاطف محياها الكئيب وأعاد جريان الأخاديد الحمراء بعروقها اليابسة. همست ليلى:
- سعاد، هل أنتِ مريضة؟

رفعت سعاد عينيها بصعوبة شديدة للنور القادم من النافذة كأنها تستنجد به. حنت رأسها من جديد وما كادت أن تدفع من فمها إحدى الكلمات دفعاً حتى هاجمتها الدموع مدرارا. ازداد خوف ليلى واضطرابها حتى كادت أن تبكي هي الأخرى. فسعاد بالنسبة إليها أخت عزيزة تمضي عندها جل أوقاتها. تفتح لها مغاليق قلبها. بينهما ألفة وتفاهم.

- عفواً يا ليلى.
قالتها سعاد بصوت خجول، وتحولت بعينيها صوب النافذة المطلة على الشارع الرئيسي. ثم استطردت والحزن يسكن حنجرتها الدافئة:
- لو لم تأت هذا الصباح كنت سأزورك أنا بالبيت. لقد حصلت لي مصيبة لم تمر بذهني يوماً حتى في الأحلام.

كتمت هذه المرة دموعها وأعادت النظر للنافذة. و ليلى في مكانها جالسة تنتظر شيئا ما، غير مريح. خيم على الغرفة صمت ثقيل:
- ليلى، لقد خانني مصطفى‍‍ّّّّّ. لقد تزوج من امرأة أخرى.
قالتها وكل حواسها ترتعش. ثم أكملت بهستيرية مفاجئة:
- لماذا فعل هذا؟ أنتِ تعرفين كل شيء عن علاقتنا: تفاهم، حب... لماذا؟ أكاد أجن كلما أفكر في السبب.

قامت ليلى وهي ما تزال تحت تأثير الخبر المفزع. احتضنت سعاد ومسحت دموعها. ساعدتها على الاسترخاء على سريرها حتى تسترد هدوءها. لكن حزن اللحظة القوي هاجم ليلى بدورها وأدرت بعض الدموع. فسألتها من جديد:
- سعاد هل تأكدتِ من الأمر؟
ظلت ساكنة، ممدة على سريرها تحدق في سقف غرفتها تبحث عن شيء ما، ثم قالت بصوت حزين:

- هل تذكرين يا ليلى يوم قلت لك بأن حال مصطفى قد تغير. لم يعد يقبلني كما كان عند عودته. لم يعد يشاركني الحديث كما كان. يحضر، لا يتكلم كثيراً، واجم الوجه و يخرج بعدها أو ينام في انتظار موعد جديد.

أكدت ذلك ليلى برأسها كأنها تشعر بمسئوليتها فيما حصل. تابعت سعاد:
- كنت متأكدة يومها بأن شيئا ما قد حصل. كنت متأكدة بأن هناك امرأة أخرى.
ظلت سابحة بعينيها في سقف غرفتها، عائمة في بحر دموعها المقهورة. اقتربت ليلى منها وهي بدورها حائرة. التقطت كلاما مر بذهنها وقالت:
- لم أفكر في ذلك على الإطلاق. لأنني ما رأيت مثل حبكما وتفاهمكما.

- من يومها يا أختي والعلاقة مع المرأة الأخرى مستمرة و تتوطد يوما عن يوم. حتى بات الخبر يأتيني من عند الجيران. خنقتها الدموع من جديد و تابعت:
- لقد تجرأ أكثر من اللازم. أصبح يحضرها إلى بيتي في غيابي
استوطن الغرفة سكون غير طبيعي ينم عن زوبعة هوجاء.

سعاد على سريرها تصارع الكلمات وليلى تأخذ أذرع الغرفة ذهابا وإيابا. حتى كسر صوت ليلى الجهوري صلابة الصمت وقالت:
- لماذا لم أعلم عن هذه المصيبة شيئا حتى الآن؟
عاود الصمت استيطانه واستحالت الغرفة إلى كهف من الأزمنة الغابرة. تكلمت سعاد كعجوز أنهت لقاءها مع الزمن:
- بماذا أخبرك؟ أنا نفسي كنت أود تكذيب كل الناس وأقول بأنه مجرد حسد.عشت على أمل أن يأتي يوماً ويقبل يدي ويطلب العفو. أنا قادرة على احتواء هذه الزوبعة.

لكن وأنا أحلم بالغد الأفضل والزوج يقتل هذا الغد ويحلم في مكان آخر.
توالت الزفرات و الآهات.. جلست ليلى قرب السرير وتكومت كالطفل المذعور. حملت سعاد جسدها الواهن قرب النافذة تلاعب نسمات الصباح الصافية خصلات شعرها المشعث. وسط هذا الهدوء الحزين قالت سعاد وهي تحاول أن تختلق الابتسامة:

- كان يقول لي دائماً، أنتِ المرأة التي كنت أبحث عنها. لن أتركك أبداً، وكلما نطق بهذه الكلمات الحلوة، كانت تسري في عروقي رعشة غريبة وأحس بسعادة تمتلكني بقوة شديدة. وأحب كل الناس وأساعد كل الناس. كنت أجري كالمجنونة وأقولها لكل أحبائي وأصدقائي. كانت كلماته تستعبدني وتجعلني أتيه في بلاد العجائب... لماذا يا مصطفى؟

صرخت حتى أيقظت ليلى من نفيها المِؤقت. بكت ليلى ذلك اليوم كثيرا حتى سقطت طريحة الفراش وتحولت كل أحلامها الوردية إلى كوابيس. لم تستطع أن تجيب عن تلك "لماذا؟". انسحبت الأيام في هدوء، شاع الخبر بين الأهل بسرعة قياسية. سلقتها ألسنة الناس. وحاول كل من جهته مسح دموع سعاد. وظلت هي تبحث عن مجدافها حتى بلغ منها التعب مبلغه. لم تجد سوى كلمات صديقتها ليلى الأخيرة، مبعثرة في فضائها المغبون تحملها إلى شط و لو به نتوء، محاولة البحث عن بداية أخرى. ارتاحت إلى قرارها و أحكمت الغطاء على جسدها و نامت. وتركت الكلام يهيم بين العقول الصغيرة محاولة سرقة بعض اللحظات في غفلة عنهم، حتى تسترد شباب الأيام الخوالي وتنعم بأحلام الطفولة.

مر من الوقت ما يجعل الإنسان ينسى و يتوه في دروب الحياة، يغير أو يتغير. لكن ليلى لم تستسلم لسيولة الزمن وظلت على علاقة بصديقتها ولو عن طريق الهاتف. وجاءت فرصة أخرى من فرص الحياة القليلة، فراحت تسأل عنها في بيت أهلها. قبل حارة وعناقا أذابتا به قوة الزمن. وأخذت سعاد تحكي لصديقتها عن حياتها وكيف تمضي جل أوقاتها في غرفتها، خاصة عندما تنفلت من بين حيطان العمل وتستريح بين أحضان سريرها ومكتبتها التي تنفق عليها كل راتبها الشهري، وشرفتها الصغيرة المطلة على سوق شعبي لا تسكن حركته ليل نهار.. أثار انتباه ليلى هرج ومرج الناس الآتي من النافذة، فكانت سعاد سباقة للإجابة دون أن تنتظر سؤالا:إن هذه النافذة هي دوائي، جعلتني أذوب بين همس وصراخ وضجيج.. أنستني همومي.. وابتسمت.

اتفقتا على اللقاء بالمقهى وسط المدينة. أحضر لهما النادل كأسين من القهوة وظلت نظراتهما سابحة تتموج مع خيوط دخان القهوة التائهة في الفضاء، كأن هناك رغبة قوية ومشتركة للتحكم في الزمن وإعادة إحياء لحظات الأمس. من شدة قوة اللحظة، أعادت ليلى خيط الذاكرة إلى أيام الجامعة و قالت:
- أتذكرين هذه القهوة وكيف صاحبتنا طوال أيامنا الجامعية.
- كانت أياما حلوة... ابتسمت وكأس القهوة بين يديها ونظراتها المتأملة لا تفارق حركة الخارج، وضعت الكأس جانباً وقالت:
- الصدمة التي عايشتها يا ليلى أيقظت أسئلة كثيرة و كبيرة بداخلي، وجعلتني أفهم أن قوة الإنسان تكمن في استمراريته و ليس وضع الكف على الخد والبكاء على الأطلال. ظلت ليلى مشدوهة لكلام صديقتها حتى نسيت أن تشرب قهوتها. قالت باستغراب شديد:
- ما هذه الفلسفة الجديدة يا سعاد؟
- إن الحياة فلسفة.ومن أجل فهمها، لا بد من التوقف عند كل عثرة، بل لابد من التوقف ولو لدقائق حتى نفهم أو نحلل أو نسأل...
- لقد تغيرت كثيرا، أين سعاد المنهارة التي كادت أن تفقد عقلها وتكفر بكل شيء؟ أرجوك أن تحكي لي ما حصل.
وضعت الكأس جانباً وسمحت لجسدها بالاسترخاء على الكرسي كاستراحة المحارب بعد الحرب. حملت نظراتها إلى الخارج مع زفرات عميقة وقالت:
- لقد كنت فعلا كالمجنونة لا ألوي على شيء. لكن كلامك الأخير المليء بالتحدي والتفاؤل، وكلام الناس القاسي والفارغ.. كل هذا جعلني أستيقظ وأخطو خطوة للوراء، وأحاول العثور على سعاد الأولى...
قاطعتها ليلى:
- فعلاً، لقد سألت نفسي مرارا، أين سعاد النشيطة، القوية..؟
- لقد عادت يا صديقتي في الوقت المناسب. كنت قد سافرت مع أهلي إلى الشمال. عشت لحظات قاسية مع نفسي. أعدت ترتيب أوراقي مع أن كل عائلتي كانت ضد الطلاق. حتى هو عاد يطلب الصفح. لكن الجرح كان عميقاً لا يبرأ بكلمة.
خانتها بعض الدموع وطفت على سطح ملامحها. صبت كأساً آخر من القهوة و اقتربت من الشرفة أكثر، محاولة الذوبان مع الضجيج الذي تحمله نسمات الهواء الصيفية واسترسلت:
- لقد عاد يطلب الصفح لكن تفكيره لم يتغير، سلوكه لم يتغير. كيف سأعيد الحياة معه من جديد؟
- ربما ما زال يحبك.

- الحب أسمى بكثير يا ليلى. فهو مثل جميع الرجال. لا يرضى أن ترفضه امرأة حتى لو جرح كرامتها. لكن لن أسمح له بتحطيمي مرة ثانية، قررت أن أبحث عن حياة أخرى أو بداية أخرى، أكيد هي في مكان ما من هذا العالم.

بداخل ليلى اهتزت مشاعر الفرحة و الانتصار. فكلام سعاد ليس بالغريب عنها. ياما أمضيتا ليال طوال أيام الجامعة مع زملائهم يتجادلون حول كل ما هو محرم و ممنوع في العرف و التقاليد. وكانت ليلى دائما تنتصر للمرأة وتدرأ عنها الذل والهوان.
اختفت سعاد في دروب الحياة تبحث عن بدايتها وعادت ليلى إلى وسادتها ربما تجد أجوبة عن أسئلتها.
أمينة شرادى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://theegyptian.ahlamontada.com
عاشق الليل
.....................
.....................
عاشق الليل


عدد الرسائل : 87
العمر : 40
البلد : مكان حبيبى
رقم العضوية : 2
تاريخ التسجيل : 06/05/2008

البحث عن بداية أخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: البحث عن بداية أخرى   البحث عن بداية أخرى I_icon_minitimeالأحد مايو 25, 2008 2:42 pm

مشكور اخى على ما قدمك يداك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://musicana-egypt.page.tl
Mr.Egyptian
......................
......................
Mr.Egyptian


عدد الرسائل : 102
العمر : 40
البلد : ام الدنيا
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 06/05/2008

البحث عن بداية أخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: البحث عن بداية أخرى   البحث عن بداية أخرى I_icon_minitimeالأحد مايو 25, 2008 11:15 pm

العفو اخى العزيز
ومشكور على المرور الجميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://theegyptian.ahlamontada.com
عاشق الليل
.....................
.....................
عاشق الليل


عدد الرسائل : 87
العمر : 40
البلد : مكان حبيبى
رقم العضوية : 2
تاريخ التسجيل : 06/05/2008

البحث عن بداية أخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: البحث عن بداية أخرى   البحث عن بداية أخرى I_icon_minitimeالخميس مايو 29, 2008 1:38 am

صديقى العزيز اود ان تثرنا بكثير من هذه المواضيع فنأ احب قارئتها كثيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://musicana-egypt.page.tl
 
البحث عن بداية أخرى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الاقسام العامة :: المنتديات الادبية :: منتدى الكتابات الادبية-
انتقل الى: