الاسكندرية العاصمة الثقافيه للعالم الاسلامى لعام 2008
السلام عليكم ورحمة الله احببت ان ابدأ مشاركتى فى المنتدى بموضوع له علاقة بحدث تاريخى هام وهو اختيار الاسكندرية عاصمة ثقافيه للعالم الاسلامى لعام 2008 من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو) مشيرة اللى الاهمية التاريخية للاسكندرية الاسلامية بشئ من الايجاز وذلك على شكل حلقات وارجو من الله حسن التوفيق
اللحلقة الاولى
الاسكندرية منذ نشأتها حتى قبيل الفتح الاسلامى لمصر
امتازت الاسكندرية وغيرها فى مدن العالم بحمل اسم شخصية تاريخية عظيمه وهى القائد اليونانى الاسطورة الاسكندر المقدونى او المعروف بالاسكندر ذو القرنين وقد كان الاسكندر يؤمن كل الايمان بتفوق الحضارة الاغريقية على غيرها من الحضارات المعاصرة لها فعمد لذلك الى نشر هذه الحضارة فى البلاد التى تغلب عليها ولتحقيق ذلك قرر انشاء مركزا حضاريا لنشر الحضارة الهلينية فى بلاد الشرق القديم. بعد قيامه بفتح معظم البلاد الشرقيه اتجه الى مصر الذى لم يجد صعوبة فى فتحها وفيها قرر ان يبنى مدينته وذلك عند قرية ساحلية تدعى راكوتيس RHAKOTIS التى عربت الى راقودة وفى مقابلها جزيرة تدعى فاروس فى البحر الابيض المتوسط ( كان يعرف ببحر الروم) وذلك فى سنة 331ق.م. وقد قدر لهذه المدينة الخالدة ان تصبح من اعظم مدن العالم وقد كان لاختيار الاسكندر هذا الموقع اسباب عدة نذكر من اهما تشابها بموقع مدينة صور التى كانت صاحبة شهرة تجارية وحربية بحرية كبيرة فى العصور القديمة.
عهد الاسكندر الى المهندس دينوقراطيس DINOCRATES بتخطيط الاسكندرية وتولى كليومينس النقراطيسى CLEOMENES الاشراف على اعمال البناء. وقام دينوقراطيس بتطبيق نظام التخطيط الاغريقى الذى ابتدعه هيبوداموس الميليطى HIPPODAMUS ويتميز هذا النظام بتقسيم المدينة الى شوارع مستقيمة تتقاطع فى زوايا قائمة بحيث يتألف من ذلك ما يشبه رقعة الشطرنج. على ان بناء الاسكندرية لم يكون فى عهد الاسكندر اذ مات وهو فاتح لبلاد الفرس فى 13 يونيو 323ق.م.
وبعد ذلك يبدأ العصر البطلمى والذى ازدهرت فيه الاسكندرية واتسعت مرافقها ونمت عمائرها واقيمت فيها المنشآت الجلية الرائعة وحرص بطليموس سوتر على تزويد الاسكندرية بكل ما تحتاج اليه من تزيين وتنميق فربط بين جزيرة فاروس وبين المدينة برصيف او جسر طوله نحو 1250 مترا وعرضه نحو 30 مترا سمى بالهبتاستاديوم HEPTASADIUM وقد قدر لهذا الرصيف ان يتسع بمضى الزمن ويصبح حيا هاما من احياء المدينة وبذلك قسم ميناء الاسكندرية الى ميناءين
1- شرقى ويعرف بالميناء الكبيرة MEGAS LIMEN
2- غربى يسمى ايونوستوس اى الصندوق EUNOSTOS ويعرف بميناء السلام
وكان هذان الميناءان يتصلان بعضهما ببعض عن طريق ممرين محصنين. واتخذ بطليموس لنفسه ميناء داخل الميناء الشرقى, سماه الميناء الملكى او الميناء الملوك.
وكانت المدينة فى عصر البطالمة تمتد من الشرق الى الغرب بحذاء الساحل بحيث شكلا مستطيلا طوله يفوق عرضه وتتخلله شبكة من الطرق المستقيمة المرصوفة بالبازلت الاسود او الاصفر تتقاطع فيما بينها سبعة ممتدة بحذاء الساحل واثنى عشر تقطعها عرضا من الشمال الى الجنوب. وهناك شارعان رئيسيان لا يقل اتساع الواحد منهم عن 30 مترا, الاول يسمى الشارع الكانوبى لانه يمتد من الباب الشرقى حتى ضاحية كانوب متتبعا طريق الحرية فى الوقت الحاضر ثم يمتد من الباب الغربى حتى شاطئ البحر اما الطريق التانى فكان يقطع الطريق الكانوبى فى وسطه ويتنفق تخطيطه مع خط شارع النبى دانيال ويطلق عليه شارع السيما تحريفا من كلمة السوما وهى كلمة اغريقية بمعنى الجسد وذلك لوقوع ضريح الاسكندر فى نقطة التقاء هذا الشارع مع الشارع الكانوبى فى الميدان المسمى باسم MESON PEDION.
وكان يحيط بالاسكندرية سور حجرى عظيم مزود بالابراج الضخمة. وكان ينفتح فى سور الاسكندرية اربعة ابواب كان يطلق على الشرقى منها اسم باب الشمس وعلى الغربى باب القمر. وقد تعرضت هذه اسوار للتجديد فى العصر الرومانى ايام هادريان وانطونيوس.
وكانت المدينة فى العصر البطلمى تنقسم الى خمسة احياء متجاورة رمز لكل منها باحد حروف الهجاء اليونانية وهى الفا وبيتا وجاما ودلتا وابسيلون. هذا وقد اختلف المؤرخون فى تحديد موقع هذه الاحياء على وجه الدقة. واهم هذه الاحياء الخمسة ثلاثة هى:
1- الحى الملكى: وهو الحى بيتا وكان يضم القصور الملكية والبساتين الممتدة حتى داخل رأس لوكياس, واهم آثاره دار العلم والمكتبه ودار العدل والجمنازيوم والبانيوم والسيما.
2- الحى اليهودى: وهو حى دلتا, يقع خلف الميناء الشرقى الكبير فى الجوف, وعند بداية الطريق الكانوبى والى الجنوب الشرقى من الحى الملكى.
3- الحى الوطنى: يقع الى الجنوب الغربى من المدينة وهو حى الاهالى والعمال وكان يقوم فيه معبد السيرابيوم والحقت بيه مكتبة صغيرة ومعبد خصص للاله انوبيس كما اقيم فيه ميدان للالعاب يعرف باسم ستاديوم.
اما عن اهم المؤسسات والمنشآت العامة التى اقامها البطالمة فى الاسكندرية:
1- المنار: لما كان يتعذر على السفن التجارية والحربية الدخول فى الميناء فرأى بطليموس ان ينشئ عند مدخل هذا الميناء منارا ضخمة لهداية السفن عن طريق اشعال النار فى قمته وعهد بطليموس باقامة هذا المنار الى المهندس سوستراتوس دى كيندوس ابن ديكسيفانس الذى شرع فى تأسيسها فى اواخر ايام سوتر واتم بناءها فى اوائل عهد بطليموس فيلادلفوس وجاء بناؤه اعجوبه من اعاجيب الدنيا السبعة ولقد ضاعت معالم هذا المنار الذى ذاعت شهرته فى الافاق ولم يتبق منه الا اساسه الذى اقيمت عليه قلعة قايتباى سنة 882هـ. ولقد وصلتنا اوصاف عديدة لهذا المنار فى العصور الوسطى حيث كان برج حجرى ارتفاعه 124م يتألف من طابق ادنى مربع الشكل يعلوه جسم مثمن الشكل ارتفاعه نحو 30م وينتهى بشرفة ثم يعلوه جسم اسطوانى الشكل ارتفاعه 15م ويتألف من جوسق يقوم على ثمانية اعمدة تعلوها قبة داخلها مراية محدبة الشكل وظيفتها عكس لهيب النيران فى اعلى المنار لهداية السفن ويعلوا القبة تمثال ضخم من البرونز ارتفاعه سبعة امتار يمثل اله البحر بوسيديون.
2- دار الحكمة والمكتبة: عهد بطليموس سوتر الى الخطيب الاثينى ديمتريوس فاليريوس بتأسيس دار الحكمة (ميوزيوم) والمكتبة فى الحى الملكى بالاسكندرية, لتؤدى وظيفة الجامعة العلمية التى يتوافد اليها العلماء والمفكرون من كافة انحاء العالم الهلينستى حتى تنافس اثينا مركز الثقافة الهلينية واقام بهذه الدار عدد من العلماء الذين برزوا فى الجغرافية والفلك والعلوم والرياضة والطب والتاريخ والادب والفلسفة وكانت الدولة تمنحهم مرتبات ضخمة لتشجيعهم على اعمال البحث والتنقيب. اما المكتبة فكانت تضم عددا هائلا من الكتب العلمية والادبية هذا باستثناء ماكان موجودا فى القصور الملكية وفى المكتبة البنت التى كانت تعتبر فرعا من المكتبة الكبرىوارتفع عدد هذه الكتب الى ما يقرب من 700 الف كتاب فى اخر ايام كليوباترا وهكذا كانت مكتبة الاسكندرية اعظم مكتبات العالم. ولقد ظلت دار الحكمة ومكتبة الاسكندرية تحملان مشعل الحضارة السكندرية حتى احترقت المكتبة عام 48ق.م. عندما اشعل يوليوس قيصر النيران فى سفن المصريين فامتدت النيران الى مخازن الكتب التابعة للمكتبة ثم قضى الاضطراب السياسى والدينى فى الاسكندرية فى عصر انتشار المسيحية على العدد الاعظم مما تبقى من هذه الكتب.
3- المعابد: اقام بطليموس معبد السرابيوم لعبادة سرابيس وفى عصر دقلدايانوس اقام بوسنيموس حاكم الاسكندرية فى معبد السرابيوم عمودا ضخما من الجرانيت تكريما لزيارة الامبراطور للاسكندرية وقد عرف هذا العمود باسم عمود السوارى ولقد تعرض هذا المعبد للهدم سنة 391م بامر من البطريرك ثاوفيلوس واقام على انقاضه كنيسة يوحنا المعمدان. كذلك اقامت كليوباترا معبد القيصريوم احتفالا بقدوم انطونيوس ونصبت امامه مسلتين نقلتهما من معبد عين شمس (احداهما اليوم فى لندن والاخرى فى نيويورك) ولقد تحول هذا المعبد الى كنيسة 354م ثم احرق عام 912م
4- السوما او ضريح الاسكندر: يذكر استرابون ان بطليموس سوتر نقل جثة الاسكندر من منف الى الاسكندرية ووضعها داخل تابوت من الذهب الخالص غير ان رفات الاسكندر لم تلبث ان نقلت الى تابوت من الرخام الشفاف بعد ان استولى بطليموس الحادى عشر على التابوت الذهبى ويرى جمهور من رجال الاثار احتمال وقوعه بجوار الكنيسة المرقسية بينما يرجح عدد اخر انه مطمور تحت جامع النبى دانيال.
اصبحت مصر ولاية تابعة للدولة الرومانية منذ انتصار اغسطس قيصر على كليوباترا فى موقعة اكتيوم سنة 31ق.م. واقام الرومان حامية رومانية فى معسكر كبير شرقى المدينة وفقدت الاسكندرية كثيرا من عظمتها السياسية فى العصر الرومانى الا انها لعبت دورا هاما فى التاريخ الرومانى فلقد عمل الاباطرة الرومان الى اخضاعها لان فى ذلك ضمان لخضوع مصر كلها التى كانت تحتل مركز متميزا عند الرومان وتوسلوا بالتفريق بين الاغريق واليهود فى الاسكندرية وانتزاع السلطات النيابية من ايدى الاغريق السكندريين وهنا اشتد العداء بين الفريقين على مدى عهود الامبراطورين المختلفه وقد ادت هذه التنة الى تخريب كثير من المنشآت المعمارية فى المدينة واخمدت الثورة فى عهد الامبراطور هادريان الذى قدم الى مصر مرتين كما قام الامبراطور سبتميوس سفروس بمنح الاسكندرية مجلسا للسناتوكذلك منح خليفته كراكلا الاغريق الحقوق المدنية الرومانية.
بدأ الدين المسيحى ينتشر فى مصر لقربها من فلسطين مهد المسيحية وازداد هذا الانتشار بوجه خاص فى الاسكندرية ابان القرن الثانى للميلاد واصبح لها كنيسة فى هذه المدينة بينما كانت المسيحية تنتشر فى الاقطار الاخرى فى بطء شديدواعتنقها الناس خفية فى هذه الاقطار واثار انتشار المسيحية مخاوف الرومان فعمدوا الى اضطهاد دعاتها ومعتنقها وبلغ هذا الاضطهاد ذروته فى عهد دقلديانوس الى حد ان الكنيسة القبطية بدأت تقويمها المعروف بتقويم الشهداء منذ اعتلى دقلديانوس عرش الامبراطورية الرومانية سنة 284م الا ان هذا الاضطهاد لم يثن المصريين عن اعتناق المسيحية وكان اعتراف الامبراطور قسطنطين الاول بهذا الدين رسميا كدين من اديان الدولة البيزنطية انتصار حاسما للمسيحية ومالبث الامبراطور تيودوسيوس ان اعتنق المسيحية واقيمت فى هذا العصر عدة كنائس منها كنيسة القديس مرقس البشير وكنيسة القديس اثناسيوسوكذلك اقيمت كنيسة العذراء مريم وكان لانتصار المسيحية الارثوذكسية السكندرية على الوثنية اثر كبير فى ارتفاع مكانة هذه المدينة من الوجهة الروحية ولم تقبل بيزنطة هذا الوضع وهنا نشأ نزاع مذهبى كبير بين بيزنطة والاسكندرية من اجل الزعامة الدينية ويستتر هذا النزاع السياسى وراء الجدل المذهبى حول طبيعة المسيح وارادته الواحدة او الثنائية وينقسم المسيحيون الى طائفتين اتباع مذهب الوحدانية البحته ويسمون بالمونوفيزيت او اليعاقبة وكان هؤلاء يتبعون كنيسة الاسكندرية واصحاب مذهب الطبيعتين ويسمون بالدوفيزيت او الملكانيين وكانوا يتعبون كنيسة بيزنطة واحتدم النزاع بين الفريقين وعقد مجمع دينى فى خلقدونية عام 451 اقر فيه مذهب الملكانيين وقرر ان مذهب الوحدانية كفر والحادولم يقبل المصريون هذه القرارات واعلنوا عصيانهم وتحول النزاع الى تحدمجيد من جانب المصريين وتسمى هؤلاء بالارثوذكسيين اى اصحاب الدين الصحيح وامعن الاباطرة فى سياستهم التعسفية فانتقل مركز الحركة الارثوذكسية الى خارج الاسكندرية وقد كان نتيجة لتلك المعامله اكبر الاثر فى كراهية المصريين لهم وهو ما مهد الفتح العربى لمصر.
ارجو ان تسامحونى على الاطالة الا اننى اردت جمع جميع العناصر الخاصة بالموضوع ومن اراد الاستزاده من معلومات هذه الحلقه الرجوع الى كتاب الدكتور السيد عبد العزيز سالم بعنوان تاريخ الاسكندرية وحضارتها فى العصر الاسلامى
الى اللقاء فى تكملة الموضوع قريبا